القلب اذا هوى بقلم منال سالم
ضهري ومسنداني!
ربتت شادية على ظهرت ابنتها برفق مرددة بجدية
المهم انتي تركزي الأيام الجاية وتثبتي!
ثم أبعدتها عنها لتحدق مباشرة في عينيها وأضافت محذرة
اوعي تباني ضعيفة أو مهزوزة قصادهم! فاهمة!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تقول
حاضر هاعمل كل اللي تقوليلي عليه بالحرف!
يا مرحب بالأبلة نورتي بيتنا يا حبيبتي
ابتسمت لها بسمة بتصنع وولجت إلى الداخل وهي تجوب المكان من حولها بنظرات سريعة وعامة..
ربتت جليلة على ظهرها وهي تتابع بحماس
تعالي يا بنتي أوضة المذاكرة من هناك هما غاوين يذاكروا في السفرة على التربيذة واحنا بنسيبهالهم
ردت عليها بسمة بجدية
اوكي بس أنا هادي كل واحد لوحده المنهج مختلف عن بعض!
اتسعت ابتسامة جليلة ورحبت بالأمر قائلة
تساءلت بسمة باهتمام
شكرا بس السفرة مقفولة ولا لأ...!
أجابتها جليلة بنبرة عادية وهي تشير بذراعها
هو محدش بيقعد فيها إلا ساعة الغدا ولو في ضيوف ممكن تقعدي في أوضة من أوض العيال
طيب
وفجأة صاحت جليلة عاليا وهي محدقة أمامها
بت يا أروى تعالي الأبلة بتاعتك جت ونادي يحيى خليه يجي يسلم عليها!
إن شاء الله هاتتبسطي معانا ده زي بيتك!
مطت بسمة فمها لترد باقتضاب
إن شاء الله
سألتها جليلة وهي تبتسم لها ابتسامة عريضة
ها تحبي تشربي ايه ولا أقولك نجيب أكل الأول
هزت بسمة كلا من يدها ورأسها نافية وهي تهتف معترضة بشدة على ما قالته
استغربت جليلة من ردة فعلها المبالغة قائلة بعتاب خفيف
عيب عليكي ده احنا بيت كرم ولا عاوزاني أزعل!
ردت عليها بسمة بإصرار
لأ شكرا أنا واكلة وشاربة كويس!
يئست جليلة من إقناعها بتناول الطعام قبل الشروع في درسها وهتفت متسائلة بحذر
طيب أعملك شوية شاي حلوين ها ايه رأيك
ردت عليها على مضض مستسلمة لعروضها الملحة
حافظت جليلة على ابتسامتها المرحبة وتابعت مشجعة إياها على التحرك
طيب يا حبيبتي اتفضلي.. اتفضلي
لم تتمكن بسمة من رؤية دياب رغم محاولتها اختلاس النظرات فظنت أنه ربما يكون غير متواجد بالمنزل.
نفضت مؤقتا فكرة البحث عنه واتجهت نحو غرفة الطعام لتبدأ مهمتها في الاستذكار مع أبناء عائلة حرب...
وبخ الحاج مهدي ابنه مازن بشدة لخروجه عن المألوف والمتبع وزواجه بطليقة دياب سرا وظل يكيل له بالكلمات اللاذعة والإهانات الموجعة..
جرى ايه يا حاج مهدي هو أنا أذنبت يعني انا راجل وقادر أتجوز
صاح به مهدي پغضب
ايوه بس في النور مش من ورانا كلنا
رد عليه غير مكترث
اللي حصل
بقى!
استشاط مهدي ڠضبا من برود ابنه المستفز وعدم اهتمامه بتبعات أفعاله التي دوما تزج به في المصائب.
هدر به بصوت محتقن
تصدق انت معندكش ډم!
رد عليه مازن بنبرة جامدة
انت مكبر الموضوع ليه يا حاج عادي يعني واحدة زي أي واحدة!
اڼفجر فيه مهدي بصوت جهوري متشنج
لأ مش زيهم ده كفاية أمها الفقر!
نفخ مازن مرددا بنفاذ صبر وهو يشيح بذراعه في الهواء
يووه!!!
أضاف والده قائلا بصرامة
لازم تتصرف وتصلح الموضوع ده على طول ومن غير فضايح
ضيق مازن نظراته نحوه ورد عليه بفتور
مش فاهم يعني!
أوضح له مقصده بجدية
هاتجوزها رسمي ومافيش حد هايخد خبر بده!
تقوس فم مازن بسخرية قائلا بعدم مبالاة
قصدك المحروس دياب
رد عليه مهدي بصوت متصلب وقد اشتعلت نظراته
أه هو أنا مش عاوز عداوة معاه ولا مع عيلته أنا مصدقت إننا خدنا هدنة واتصالحنا
انزعج مازن من أسلوب والده المكبر للأمور فأردف قائلا ببرود متعمدا الإساءة إليهم
يا حاج انت عاملهم قيمة وهما مايجوش جزم في رجلنا!
لكزه أباه في كتفه بقسۏة محذرا
خليك إنت كده بتفكر بمخك التخين ده لحد ما تخرب يا أهبل بص لقدام مصالحنا كلها معاهم!
رد عليه غير مكترث وقد حل الوجوم عليه
بناقص منها إن كانت من وشهم!
ثم تابع قائلا بشراسة
ده بدل ما ناخد بتار مجد أخويا المحبوس ده!
رد عليه والده بضيق
بكرة اخوك يخرج من حپسه فمش لازم تحصله إنت كمان!
صمت مازن وظل محدقا أمامه في الفراغ بنظرات غامضة يفكر في شيء ما..
راقبه والده عن كثب ثم دار حوله ليقف قبالته وسأله بجدية
ها هاتعمل ايه
رد بامتعاض
هاشوف
صاح به أباه بجدية وهو يشير بسبابته محذرا إياه من التهاون في المسألة
انجز في الليلة دي مش عاوز رطرطة كلام فيها! سامعني!
ضغط مازن على شفتيه قائلا على مضض
طيب!
حمدت أسيف الله في نفسها أن المسافة من الفندق للمنطقة الشعبية لم تكن بعيدة.. وبالتالي لم تحتاج كلتاهما لإستئجار سيارة خاصة
لتوصلهما إليها..
استمرت هي في دفع مقعد والدتها عبر الطرقات الجانبية حتى وصلت إلى المكان المنشود..
ومع أول خطوات وطأتها بداخله تسارعت دقات قلبها وزادت الحماسة بداخلها..
حاولت قدر المستطاع أن تختطف نظرات شمولية عن المكان من حولها لتحفرها في ذاكرتها فربما لن تتكرر الزيارة مرة أخرى..
زادت حماستها وتشجعت لسؤال والدتها بتلهف
هو ده المكان صح يا ماما
على عكسها تماما كانت حنان تعيش في أجواء قلقة ممزوجة بالتوتر.
خفق قلبها برهبة وهي تجوب بأنظارها المكان لترى انعكاس الماضي على جدران تلك البنايات القديمة واضطربت أنفاسها بدرجة ملحوظة مقاومة تدفق سيل الذكريات القاسېة..
نعم فقد عانت الأمرين مع زوجها في صراعهما ضد زوجة الحاج خورشيد تلك السيدة التي كانت تعتبر التجسيد الحقيقي لمصطلح جبروت امرأة
أعادت أسيف تكرار سؤالها حينما تجاهلت أمها الرد عليها قائلة
سمعاني يا ماما ده المكان اللي عايشة فيه عمتي
أجابتها حنان بحذر وهي تبتلع ريقها
ايوه!
ابتسمت عفويا واستمتعت باهتمام بالأجواء من حولها..
تساءلت مجددا وهي تسلط أنظارها على المحال الشعبية المتجاورة
أومال هي ساكنة فين
احتارت حنان في تحديد البناية التي كانت تقطن بها عزيزة زوجة الحاج خورشيد فقد مر زمن منذ أن حضرت إلى هنا..
بدت جميع البنايات متشابهة بدرجة كبيرة فزادت حيرتها أكثر وتخبطت أفكارها.
هزت كتفيها قائلة باستياء بعد أن عجزت عن تحديد وجهتها
مش فاكرة يا بنتي
تفهمت أسيف صعوبة الأمر على والدتها وأردفت قائلة برقة
مش مشكلة يا ماما اللي يسأل مايتوهش هي اسمها عواطف خورشيد أكيد في حد هايعرفها هنا صح
ردت عليها حنان بفتور
جايز!
وقعت عيناي أسيف على محل الجزارة فظنت أنه ربما يتمكن من
مساعدتهما في الوصول إليها فعلى الأغلب هو يعرف معظم القاطنين بالمكان بسبب تعاملهم معه وشراءهم للحم من عنده..
أشارت بعينيها نحوه بعد أن مالت على والدتها مرددة بجدية
أنا هاروح أسأل الجزار اللي هناك ده ممكن يكون عارف بيتها
هتفت حنان قائلة بتأكيد
احتمال كبير!
أكملت أسيف دفعها لمقعد والدتها المتحرك حتى وقفت بها عند الرصيف ثم تركتها واتجهت نحو ذلك الرجل الجالس أمام محله..
انتبه لها الجزار الذي كان ينفث دخان أرجيلته بشراهة ورمقها بنظرات مطولة جريئة أشعرتها بالحرج منه.
تابع تأمله لها وهو يرد بصوت متحشرج
خير يا أبلة
ضغطت على شفتيها لتقول بارتباك قليل وبأدب واضح
حضرتك متعرفش بيت الست عواطف خورشيد
تجهمت تعابير وجهه بدرجة ملحوظة وأخفض أرجيلته للأسفل ليسندها إلى جواره..
ثم نفخ بضجر وبدا النفور واضحا على نظراته وفي نبرته وهو يجيبها بخشونة
أعوذو بالله من العيلة الفقر دي!
انزعجت من أسلوبه الفظ والوقح في الإساءة إلى عمتها وعفويا كورت قبضة يدها وهي تهتف بامتعاض
أنا بسألك عن بيت عمتي عارف ولا لأ
رد عليها بتهكم أثار سخطها للغاية
هي عمتك اتلم المتعوس على خايب الرجا!
هي لم ترغب في إثارة القلق خاصة في وجود والدتها حتى لا تفسد الزيارة وتلتغى قبل أن تبدأ.
عمدت إلى الحفاظ على هدوء أعصابها وهي تعيد سؤاله بقوة زائفة
عارف بيتها ولا لأ
أجابها بتأفف وهو يشير بإصبعيه نحو بناية ما
البيت الكحيان اللي هناك ده هتلاقيهم ساكنين فيه!
التفتت أسيف إلى حيث أشار فتجمدت نظراتها على تلك البناية القديمة للحظات.
خفق قلبها بتوتر رهيب وإنتابتها أحاسيس كثيرة متحرقة فيها شوقا لمقابلة فرد جديد اكتشفت وجوده مؤخرا من عائلتها..
أفاقت من جمودها المؤقت وعاودت النظر إلى الجزار بإشمئزاز ثم تركته وانصرفت دون حتى أن تشكره على تقديمه للعون..
رمقها هو بنظرات مستخفة وأمسك بأرجيلته ليدخنها بإنزعاج من تجاهلها له وتمتم بغيظ من بين أسنانه لاعنا إياها
هي هاتجيبه من برا يعني كلهم عيلة..... في قلب بعض!!!
رجعت أسيف عند والدتها وهي ترسم ابتسامة مصطنعة على وجهها ثم استطردت حديثها مرددة بهدوء
خلاص يا ماما عرفت مكان البيت هو اللي هناك ده!
حركت حنان مقعدها للأمام وتبعتها أسيف بخطوات متمهلة لكن روحها كانت في حالة حماسة رهيبة..
بعد عدة لحظات كانت كلتاهما تقف أمام مدخل البناية.
بالطبع لم يخلو المكان من هؤلاء الصغار الذين يتراشقون الكرة وهم يلعبون پعنف وصړاخ لعل أحدهم يحقق الفوز في مباراتهم الحيوية الهامة..
ابتسمت لهم أسيف بود ثم استدارت بأنظارها في اتجاه المدخل.
حدقت فيه بنظرات مطولة مدققة في تفاصيل المكان فكل شيء كان يشير إلى قدمه الطلاء الباهت الألوان المطفية الدرج الخشبي العتيق والكراكيب المتراصة على الجانبين..
نعم تكاد تشم رائحة عبق الزمن وأن تطأ بقدمين المكان.
اختلف إحساس حنان كليا عن ابنتها هي زارت تلك البناية من قبل منذ سنوات طويلة مضت..
مرت الأيام وتكرر المشهد من جديد
فقد كانت جالسة على مقعدها المتحرك عند هذا المدخل وتركها زوجها رياض بمفردها هنا ليصعد إلى زوجة أبيه.. تلك القاسېة الجاحدة التي لا تعرف أي شفقة..
انتاب قلبها الړعب حينما سمعت صراخهما المحتد وفزعت نظراتها وهي تراه مقبلا عليها حاسما أمره بعدم العودة إلى هنا مرة أخرى..
ازدردت ريقها پخوف وتمنت في قرارة نفسها ألا يتكرر الأمر مجددا مع ابنتها فهي لا تزال
لتحدق في والدتها الشاردة وظنت أنها تفكر في طريقة للصعود للأعلى بمقعدها هذا والاثنتان بمفردهما وبالتالي لن تتحمل هي عبء دفعها..
عضت على شفتها بحرج وتنهدت بعمق ثم مالت على أمها لتهمس لها
أنا هاطلع أسأل حد من الجيران عن بيتهم وأعرف هما ساكنين في أنهو دور وأنزلك يا ماما
هزت حنان رأسها إيجابا وهي تقول بحذر
طيب بس خلي بالك من نفسك
حاضر
قالتها أسيف وهي تتجه نحو الدرابزون لتصعد بتريث عليه.
تعلقت أنظار حنان بإبنتها وخفق قلبها بدقات متتالية..
دعت الله في نفسها بتيسير الأمور عليها..
وصلت هي بعد لحظات إلى الطابق الأول وسلطت أنظارها على أول باب وقعت عيناها عليه..
ابتلعت ريقها بتوتر بادي عليها واستجمعت شجاعتها لتقرع الجرس..
عاودت النظر للأسفل لتطمئن على والدتها القابعة عند المدخل..
فتحت إحدى الجارات الباب وتفرست في أسيف بنظرات حادة مدققة وسألتها بجمود
ايوه عاوزة مين يا شابة
استدارت أسيف برأسها نحوها ورسمت ابتسامة مهذبة على شفتيها ساءلة إياها بحرج
أومال الست عواطف خورشيد ساكنة في أنهو دور
أجابتها الجارة بجدية وهي تشير بعينيها للأعلى
فوقينا بدورين الباب اللي زي ده
ضغطت أسيف على شفتيها مع احتفاظها بإبتسامتها الرقيقة مرددة بإمتنان
شكرا
نزلت مسرعة على الدرج لتعود إلى والدتها ثم وقفت قبالتها وهتفت بصوت شبه لاهث ومتحمس
خلاص عرفت البيت يا