القلب اذا هوى بقلم منال سالم
بصوت مرتفع ومتشنج
لأ بقى إنت كده بتقل أدبك عليا وأنا ممكن أركبك جناية وأنا واقفة هنا!
بدأ المارة في التجمع على إثر صوتها العالي وتابعوا بفضول ما يدور من مشاجرات شبه يومية بين ابنة السيدة عواطف وذلك الجزار السمج.
رد هو عليها بحنق
طب وليه الأذية دي من الأول!
صاحت فيه بغيظ وقد ارتفع حاجباها للأعلى
ماهو انت اللي اتغابيت عليا وأنا لو الجنونة ركبتني هآ....
بسمة اطلعي!
لوح الجزار بيده في الهواء مرحبا بثقل
مساءك فل يا ست عواطف!
رمقته بسمة بنظرات ڼارية مستنكرة أسلوبه الاستفزازي وردت على والدتها بانفعال
استني يا ماما أما أربي الأشكال الضالة دي الأول
أغاظه ردها الوقح وتمتم مصډوما
الله! الله!
هدرت والدتها بنفاذ صبر
ردت عليها بسمة بحدة
هو أنا اللي بأجر شكلهم من الباب للطاق!!!
أشارت لها بيدها قائلة بقوة
طب اطلعي ربنا يهديكي
حدجت بسمة الجزار بنظرات احتقارية قبل أن تضيف بسخط
ناس عاوزة الحړق اتفووو!
يتبع الفصل التالي
الفصل الثالث
وقفت السيدة عواطف على عتبة باب منزلها تترقب صعود ابنتها الصغرى بضيق كبير.
صعدت بسمة الدرج وهي تنهج بصوت شبه مسموع متمتمة بكلمات غاضبة.
حركت عواطف رأسها مستنكرة ما تسمعه وردت قائلة
خلاص يا بسمة كفاية كده
والله الناس دي ما ينفع معاهم إلا قلة الأدب وطولة اللسان غير كده هيركبونا ويدلدوا
ردت عليها عواطف بضجر مفسحة لها المجال لتمر للداخل
طول عمري في حالي يا بنتي لازمتها إيه الفضايح دي كل شوية!
ولجت بسمة إلى داخل المنزل وأوصدت الباب خلفها.
نزعت عنها حجاب رأسها ليظهر من أسفله شعرها العجري الأسود فنفضته بحركة لا إرداية وهتفت ممتعضة
ردت عليها والدتها متسائلة بتأفف
وايه اللي شقلب حالك كده
تجمدت نظرات بسمة لوهلة وتحرك بؤبؤي عينيها البنيتين بحركة عصبية متذكرة ما حدث مسبقا معها من شجار عڼيف مع زميلاتها في المرحلة الثانوية وتلك المهانة التي تلقتها آنذاك.
ابتلعت غصة مريرة في حلقها وصاحت بتشنج
نسيتي العلقة والپهدلة اللي خدتها من البنات في المدرسة وعملوني مسخرتهم من بعدها حلفت ما هاكون ضعيفة تاني ومش هاسكت لحد!
الناس هتاخد فكرة إنك.........
قاطعتها بسمة قبل أن تكمل جملتها للنهاية قائلة بسخط
ما تقوليها يا ماما شلق باحثة عن المتاعب !
وضعت عواطف يدها على كتف ابنتها وضغطت عليه قليلا قائلة بتنهيدة متعبة
أنا.. أنا مش عاوزة حالك يقف وربنا يعدلهالك!
حركت بسمة حاجبها وهي ترد بثقة
إن شاء الله هاتتعدل بس بعيد عن المكان ال...... ده!!
زفرت عواطف مستاءة من تصرفاتها ورددت بضيق
لا حول ولا قوة إلا بالله خفي الشتايم شوية!
حلت بسمة أزرار كنزتها قائلة بعدم اكتراث
سيبك انتي منهم وقوليلي طابخة ايه على الغدا
أجابتها والدتها بهدوء
عاملة نابت
التوى ثغرها بتأفف ظاهر عليه وردت بقرف
ييييه! مافيش طبيخ ولا فراخ ولا حتى خضار أورديحي يقويني ده أنا بأشقى يا ناس!
أوضحت عواطف سبب عدم طهيها اليوم معللة
الأنبوبة فضيت فملحقتش أغيرها!
تهدل كتفي بسمة للأسفل ورددت مستسلمة
ماشي هاعمل ايه أمري لله!
ابتسمت لها والدتها بود وهي تضيف
طيب خشي اتشطفي وغيري هدومك وأنا هاجهز السفرة
طيب!
تحركت بسمة في اتجاه المرحاض لتبدل ثيابها وتغتسل بعد عناء هذا اليوم المجهد وسارت عواطف نحو المطبخ لتعد الطاولة لكنها تسمرت في مكانها حينما سمعت قرعا على الباب.
التفتت برأسها نحوه وتحركت بخطوات متمهلة في اتجاهه لتفتحه.
تفاجأت بوجود الحاج طه وابنه البكري منذر على عتبته.
تنحت للجانب قليلا مرحبة بهما بألفة
يا أهلا وسهلا يا حاج!
هتف طه قائلا بجدية وهو مخفض أنظاره
سلامو عليكو يا عواطف!
ردت عليه بإبتسامتها الطيبة
وعليكم السلام يا حاج طه اتفضل
ثم تحركت للداخل لتفسح لهما المجال للولوج إلى صالة منزلها القديم.
رد عليها طه بدون تكلف وهو يضرب الأرضية الخشبية بعكازه
تشكري!
ثم أضاف بجدية وهو يلوح بذراعه
معلش اعذرينا جينالك من غير ميعاد!
هتفت معاتبة إياه بحذر
عيب تقول كده يا حاج ده البيت بيتك تجي في أي وقت!
ابتسم قائلا بإختصار
تسلمي!
الټفت طه برأسه نحو ابنه ليأمره بصوت خاڤت
تعالى يا منذر
لحق هو بأبيه متنحنحا بصوت قوي
احم.. يا رب يا ساتر!
هتفت عواطف قائلة بصوت مرتفع نسبيا وهي تسبقهما في خطواتها
اتفضلوا في أوضة المسافرين!
فتحت هي باب غرفة استقبال الضيوف على مصراعيها وأضاءت الإنارة بها.
ثانية واحدة هاعلق على الشاي وآ....
قاطعها طهبجدية وقد تصلبت تعابير وجهه
لأ مالوش لازمة احنا جايين في كلمتين على السريع!
نظرت له متوجسة وارتعدت قليلا من الجدية الظاهرة في نبرته وتساءلت بتوتر
خير يا حاج قلقتني
رد عليها بهدوء حذر وقد استند بمرفقيه على رأس عكازه
اطمني يا عواطف مافيش حاجة!
جلست على طرف الأريكة في مقابلهما وتفرست في ملامحهما بقلق..
انتبهت هي إلى صوت منذر وهو يستطرد حديثه قائلا بصوت خشن
شوفي يا خالتي من غير ما نضيع وقت احنا عاوزين الدكان بتاعك!
عقدت ما بين حاجبيها مرددة بإستغراب
الدكان!
ازدردت ريقها بحيرة وشردت تفكر للحظة في صك ملكية ذلك المحل القديم الذي بحوزتها.
راقب طه وابنه صمتها المريب بتعجب.
هتفت هي فجأة معترضة
بس أصل الحكاية....
رفع منذر كف يده في وجهها قائلا بجدية مجبرا إياها على التوقف عن اتمام جملتها
اطمني هاندفعلك فيه عربون كويس أوي!
حركت رأسها معترضة على حصر مسألة بيع المحل في كونها مادية وردت قائلة
مش كده يا سي منذر بس هو....
تدخل طه في الحوار وهتف بصرامة
بصيلي يا عواطف!
وجهت أنظارها نحوه وأصغت لحديثه القائل
أنا هاحاسبك بسعر اليومين دول وهاديكي خلو رجل مناسب يعيشك إنتي وبناتك مستورين!
تنهدت بإرهاق وردت عليه بصوت شبه مضطرب
يا حاج طه الموضوع مش فلوس والله بس الدكان ده مش بتاعي لوحدي!
تفاجيء الاثنان من ردها وتبادلا نظرات شبه مصډومة.
ردد منذر بتعجب وقد عبست ملامحه
نعم قصدك ايه بالظبط
عاودت النظر في اتجاهه وأوضحت قائلة
أنا.. أنا أخويا رياض شريك فيه!
وكأن تلك الكلمة جديدة على مسامعه فهتف مستغربا
أخوكي
هزت رأسها بالإيجاب قائلة
ايوه شقيقي من أبويا! ليه نصيب فيه!
تساءل منذر مستفهما
أها طب وأخوكي ده أراضيه فين
ردت بصوت خفيض وهي ترمش بعينيها
أنا أخباره عني مقطوعة يجيلها زمن!
سألها بإلحاح وقد بدأت تتشنج عروقه
طب مافيش طريقة تعرفي توصليله بيها
حكت مقدمة رأسها بإصبعيها وعدلت من وضعية حجابها القماشي القديم وأجابته قائلة
هو.. هو باين كان سايبلي رقم تلافون كده!
هتف بتعجل مشيرا بعينيه
طيب كلميه وشوفي نظامه ايه!
ضغطت على شفتيها قائلة بارتباك
هو.. هو احنا شبه مقاطعين بعض!
زفر منذر بنفاذ صبر قائلا
أنا ماليش في الحوارات دي كلها
أضاف أباه طه قائلا بجدية بعد أن رأى العصبية ظاهره على تعابير ابنه
شوفي يا عواطف أنا مايهمنيش الرغي ده كله من الأخر كده أنا لازمني الدكان!
هزت رأسها متفهمة وهي ترد
حاضر يا حاج طه أنا هاتصرف
ابتسم قائلا بثقة
متفقين ووقت ما توصلي لحاجة كلميني!
ردت عليه بصوت خفيض
بأمر الله
نهض الحاج طه من مقعده قائلا بحزم
يالا يا منذر
هب ابنه من مكانه منفذا لأمره ومرددا بصوت رخيم
حاضر يا حاج
وقفت عواطف هي الأخرى على ساقيها ورددت مجاملة
ما لسه بدري ده أنا ملحقتش أعمل معاكو الواجب
أشار لها بعكازه قائلا باقتضاب
وقت تاني سلامو عليكم!
تحركت هي خلفهما وهي تودعهما بابتسامة أليفة
وعليكم السلام في رعاية الله!
أغلقت الباب بعد انصرافهما واستدارت عائدة إلى المطبخ.
خرجت بسمة من المرحاض متسائلة بفضول
خير يا ماما في ايه
ردت عليها أمها بفتور
ده الحاج طه وابنه منذر!
لحقت هي بوالدتها داخل المطبخ وجابت بأنظارها المكان بنظرات سريعة وشمولية باحثة عن الطعام ومتسائلة باهتمام
مالهم جايين ليه
أجابتها بضيق خفي
عاوزين يشتروا الدكان القديم
هتفت بسمة بحماس وهي تقطم قطعة من ثمرة الخيار بفمها
يا ريت ده حتى وجوده زي عدمه وأدينا نطلع منه بقرشين نستفيد بيهم!
ربنا ييسر
قالتها عواطف وهي ترص الصحون الفارغة فوق الطاولة
ألحت بسمة عليها مشجعة إياها على المضي قدما في عملية البيع
تلك
وافقي يا ماما بدل ما احنا واقعين على الأخر!
التفتت عواطف نحو ابنتها لتضيف
هو أنا ممانعة الرك بس على أخويا رياض!
ضيقت بسمة نظراتها باهتمام وهتفت متعجبة
عمي رياض ياه بقالي زمن ماسمعتش اسمه!
ثم تقوس فمها لتتابع بتهكم
هو احنا نعرفله مطرح أصلا ده أنا لا عمري شوفته ولا أعرف عنه حاجة غير من كلامك القليل عنه!
أوضحت لها عواطف سبب تلك القطيعة الطويلة قائلة بأسف
حبال
الود بينا مكانتش أد كده!
حكت بسمة فروة رأسها متسائلة باهتمام
أها يعني كان في مشاكل بينكم
ردت عليها أمها بتنهيدة مطولة
تراكمات يا بنتي! بسبب أمي وعمايلها و.....
قاطعتها بسمة غير مكترثة بحديثها القديم عن الخلافات الأسرية في عائلتها مرددة
بصي أنا مش فارق معايا ده كله المهم إنك تبيعي الخړابة دي وخلاص!
ردت عليها عواطف بجدية
ما أهو أنا عشان أعرف أبيع لازم يوافق رياض
نفخت بسمة قائلة بضيق
يووه يا ماما أنا دماغي مش مركزة معاكي اعملي اللي انتي عاوزاه بس هاتلي أكل الأول
خطى منذر نحو الوكالة بخطوات متمهلة إلى جوار أبيه متسائلا بقلق
تفتكر البيعة هاتكمل باين فيها عوأ متاعب !!
رد عليه طه بنبرة رزينة
عواطف من يومها هبلة وعبيطة ومضيعة حقها!
الټفت منذر برأسه للجانب مضيفا بإندهاش
بس أول مرة أعرف ان ليها أخ!
مط طه فمه للأمام ورد عليه بهدوء
أنا عارف من زمان تقريبا من وقت ما أمها دريت بإن جوزها خورشيد متجوز عليها واحدة تانية!
اها
تابع مكملا بتأفف
وطبعا الدنيا قامت ومقعادتش وشغل النسوان والكيد شعللها أكتر!
تساءل منذر بجدية وهو يشير بيده
طب خلاصة الليلة دي كلها ايه يا حاج طه
أجابه بصوت حازم
ثم أشار لابنه بسبابته محذرا
وإنت نبه على أخوك يهدى كده وبلاش شغل اللبش مع ابن أبو النجا
لوى فمه للجانب قائلا بإيجاز
ربنا يسهل!
جلست أسيف على مقعد أبيها الوثير الموجود في مكتبه بالمنزل متأملة الغرفة بعد رحيله.
حافظت هي على نظافتها وترتيب كل شيء بها كأنه سيعود لاستخدامها في يوم ما..
مدت أناملها لتتلمس قلمه الحبري وأوراقه بحذر شديد.
تسابقت عبراتها في النزول متأثرة من ذلك الفراغ الكبير الذي أحدثه في حياتها.
تحركت أنظارها تدريجيا للأمام حتى وقعت على صورته فتأملها في صمت وقلبها يعتصر آلما عليه.
مسحت دموعها بمنشفتها الورقية المهترئة وهمست بصوت مبحوح
أخرجت تأوهة حاړقة من صدرها وهي تستدير بمقعدها المتحرك للخلف لتتركها منفردة بنفسها.
أسند النادل كوب المثلجات البارد على الطاولة أمام ذلك الصغير الذي صفق بحماس لرؤيته إياه.
ابتسم دياب لابنه وهتف قائلا
كل يا يحيى!
تناول الصغير ملعقته وغرسها في الكوب مرددا ببراءة
حاضر
مسد دياب على شعر رأسه برقة مبتسما له بحنية.
ورغم شعوره بالبغض والحنق نحو أمه إلا أنه أخرج ابنه من حساباته معها فذلك الصغير لا ذنب له فيما حدث.
وعلى عكس صفات والدته الدنيئة إلا أن يحيى يحمل قلبا طيبا وأخلاقا كيسة بالرغم من صغر سنه الذي لا يتجاوز الست سنوات.
رن هاتفه